دخلت الطفلة الأوكرانية "ماتيلدا"، التي تبلغ من العمر ثماني سنوات، إلى مركز الأطراف الصناعية في بولندا، على كرسي متحرك، وكانت عيناها تعكس مزيجًا من الحزن والأمل؛ حزن على طفولة فقدت فيها القدرة على اللعب والحركة، وأمل في العثور على علاج يعيد لها ما فقدته.
فقدت ساقيها بعمر الثامنة جراء الحرب في أوكرانيا
قبل الحرب، كانت "ماتيلدا" مثل أي طفلة أخرى، تلعب وتلهو في قريتها الأوكرانية، لكن حياتها تغيرت فجأة في لحظة واحدة، عندما فقدت ساقيها جراء النزاع، وتحولت من طفلة مليئة بالنشاط إلى شخص يواجه مستقبلاً مجهولًا، وكان وقع الصدمة على والديها قاسيًا، فهما لم يعيا كيف يمكن لطفلتهما الصغيرة التكيف مع هذا التغيير الجذري أو كيف ستعيش حياتها بلا قدرة على المشي.
أدى ما مرّت به "ماتيلدا" إلى أزمة نفسية وصحية كبيرة، إذ لم تعد قادرة على الحركة أو اللعب كما كانت؛ مما أثر عليها بشكل عميق، وكان على والديها أن يواجهوا تحديات مادية كبيرة أيضًا، حيث لم يعرفا كيفية التصرف في مواجهة هذه المعاناة، ولكن الأمل انبثق من مملكة الإنسانية، المملكة العربية السعودية، التي أطلقت "برنامج الأطراف الصناعية وإعادة التأهيل" لمصابي الحروب والكوارث.
وتمكن والدا "ماتيلدا" من الاستفادة من هذا البرنامج بعد أن تم إدراج اسم ابنتهما ضمن قوائم المرضى المتضررين من الحرب في أوكرانيا في بولندا، ويقدم هذا البرنامج خدمات طبية وتأهيلية مجانية لمرضى البتر من ضحايا الحروب.
تم نقل "ماتيلدا" إلى مركز الأطراف الصناعية في بولندا، حيث استقبلها الفريق الطبي بابتسامة تطمئنها، وبداية جديدة للشفاء، وبدأت رحلة علاجها بتقييم طبي شامل وإنشاء ملف طبي دقيق، ومن ثم وضع خطة علاجية تأخذ بعين الاعتبار حالتها الجسدية والنفسية، وكانت هذه الخطة مخصصة لتلبية احتياجاتها الفردية وضمان أفضل النتائج.
وبدأت "ماتيلدا" في مرحلة تأهيل بدني تهدف إلى تقوية عضلاتها وتحسين توازنها، بالإضافة إلى تخفيف الآلام الناتجة عن البتر، ولم يكن الهدف فقط تجهيز جسدها للأطراف الصناعية، بل كان الهدف أيضًا مساعدتها على التكيف النفسي مع التغيير الكبير في حياتها.
تعاون الفريق الطبي مع "ماتيلدا" بشكل متواصل، حيث تم تحديد القياسات المناسبة للأطراف الصناعية، وبدأت عملية تصنيعهما وبعد فترة من التأهيل، تم تجهيز "ماتيلدا" لاستقبال الطرفين الصناعيين، وبعد تركيب الأطراف، بدأت تتعلم كيف تقف وتوازن جسدها من جديد، وعادت تدريجيًا إلى ممارسة الأنشطة التي كانت تحبها.
تلقت "ماتيلدا" الدعم النفسي بجانب الدعم العلاجي؛ مما ساعدها على تقبل جسدها الجديد واستعادة ثقتها بنفسها، حيثُ بدأت في تعلم كيفية المشي والجري واستخدام الأطراف الصناعية بشكل صحيح، ولم تعد بحاجة إلى الاعتماد الكامل على الآخرين، بل استعادَت استقلالها.
وبعد أسابيع من العلاج والمتابعة، أصبحت "ماتيلدا" قادرة على السير جنبًا إلى جنب مع والديها للمرة الأولى منذ إصابتها، مليئة بالفرح والثقة، وكانت فخورة بتحديها للظروف والالتزام بالتدريب الذي ساعدها على استعادة قدرتها على الحياة.
تُعد مراكز الأطراف الصناعية وإعادة التأهيل التي يديرها "مركز الملك سلمان للإغاثة" جزءًا من المبادرات الإنسانية الرائدة التي تقوم بها المملكة، ويهدف المركز إلى تخفيف معاناة المتضررين من الحروب والكوارث، وتوفير حياة كريمة للأشخاص الذين يعانون من إصابات بترية، من خلال تقديم الدعم الطبي والنفسي.































