عندما تتحول الرياضة إلى صناعة، تتغير الكثير من المفاهيم حتى تتواكب مع الأهداف، حينها يتحوّل المشهد من ورقٍ مرسوم إلى واقعٍ ملموس، نُدرك تطوّره ونواكب تغيّره، فالمملكة العربية السعودية تواصل مساعيها الرامية في رفع جودة القطاعات كافة، ومنها القطاع الرياضي، الذي يعدّ جزءاً لا يتجزأ من الرؤية الحالمة 2030.
قصةٌ المملكة لا يمكن اختزالها في حياتنا اليومية كمجتمع؛ إذ تحولت إلى مكوّن محوري في رسم ملامح مستقبل هذا الوطن وأبنائه، متخذة موقعًا ضمن أسرع محركات التنمية الوطنية زخمًا واتساعًا، بما تتيحه من فرص اقتصادية، وتعزيز لأنماط الحياة الصحية، وآفاق واسعة لمختلف القطاعات. وما هي إلا بدايةٌ لمستقبل مبشّر للقطاع الرياضي، تقوده روح المبادرة، ويعاد تشكيله بالثقة والطموح.
إرث رياضي عريق
جذور الرياضة الضاربة في عمق تاريخ المجتمع السعودي، واحتفاظها بمكانة أصيلة في ثقافته، رسّخت الاهتمام بها بين مختلف شرائح المجتمع، فمنذ تكون المجتمع السعودي برزت رياضات تقليدية: كسباقات الخيل والهجن، والصيد بالصقور، والرماية وغيرها... ولم تكن مجرد هوايات عابرة؛ بل كانت جزءًا حيويًا من الغنى الثقافي، ولا تزال حتى اليوم تجسّد رموزًا حيّة لهويتنا السعودية وأصالتها.
ومع تطور الزمن تحوّلت الرياضة إلى شغف يجمع أبناء هذا الوطن والمقيمين على أرضه -المتجاوز تعدادهم 35 مليون نسمة- لا تعرف الفوارق العمرية ولا الخلفيات أو الحدود، وبالنسبة للسعوديين على وجه التحديد فالرياضة ليست مجرد منافسة أو تسلية؛ بل باتت أولوية وطنية استراتيجية تُسهم في تحقيق أهداف رؤية السعودية 2030.
الرياضة كفاعل في إعادة صياغة المشهد
أثبتت الرياضة على مر التاريخ فاعليتها في التحولات الاجتماعية والاقتصادية، حيث نجد هذا الدور متجليًّا في حالة دول كاليابان ما بعد الحرب عبر استضافتها دورة الألعاب الأولمبية عام 1964م، التي كانت شاهدًا على النمو المتسارع الذي شهدته اليابان، فيما أصبح كأس العالم للركبي الذي استضافته جنوب إفريقيا عام 1995م أيقونة للمصالحة الوطنية، وأولمبياد برشلونة عام 1992م الذي أشعل شرارة نهضة سياحية ما زالت آثارها ممتدة حتى اليوم.
وعبر هذه اللحظات الفارقة، لم تكن الرياضة بحد ذاتها هي القيمة الكبرى، إنما بحملها شعلة التغيير التي برهنت على رحلات تنموية خاضتها تلك الدول، وعبّرت بها عن رسائلها للعالم.
وباحتضان المملكة العربية السعودية لأبرز الفعاليات العالمية؛ من سباقات الفورمولا 1 إلى كأس العالم للأندية 2023، مرورًا بنهائيات رابطة محترفات التنس، وكأس العالم للرياضات الإلكترونية، وغيرها من الأحداث الرياضية، التي ترسّخ الدور بوصف الرياضة قوة محورية للتغيير والتحول، وتوفر منصات يتألّق فيها جيل جديد شغوف من الرياضيين السعوديين مدفوعين بطموحاتٍ لا حدّ لها، وبتوجيهات سديدة من سمو سيدي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله-.
كما لا يمكننا أن نغفل الإضافة المثالية التي تمنحها استضافة هذه الفعاليات من إلهامٍ للأفراد للمشاركة والمنافسة والمساهمة في تنمية القدرات، وفتح آفاق مهنية جديدة في مجالات علوم الرياضة، والتدريب، والإعلام، كما أنها أصبحت مساراً لتقليل نسب البطالة من خلال فتح عددٍ كبيرٍ من الوظائف؛ ما يُساهم في تحقيق مستهدفٍ وطني كبير، إلى جانب كونها بوابةً معرفيةً للشباب والشابات لإدارة الأحداث الكبرى.
ركيزة محورية لتعزيز التنوع الاقتصادي
يجسّد نجاح استضافة الأحداث العالمية الكبرى وتطور دوري روشن السعودي للمحترفين، حقيقة أن قطاع الرياضة أصبح ركيزة محورية في مسيرة التحول الاقتصادي للمملكة؛ إذ يتقاطع مع العديد من القطاعات الأخرى، مثل السياحة، والإعلام، والتدريب، وتعزيز البنية التحتية، وتصميم المنشآت، ولوجستيات الفعاليات، وتجربة المشجعين، وغيرها.. ومع ازدهار هذا القطاع يتسارع النمو في الاقتصاد الوطني بأكمله عبر الاستثمار في بنية تحتية رياضية بمعايير عالمية، واستضافة كبرى الفعاليات الدولية، تعمل المملكة على تسخير قوة الرياضة؛ لفتح فرص اقتصادية غير مسبوقة وتعزيز نمو القطاع الخاص، إذ بلغ حجم سوق الرياضة في المملكة 8.7 مليار ريال في عام 2022م وحقق نموًا بلغ 13.8 مليار ريال في عام 2023م.
المجتمع عماد التنمية
لا تقتصر نهضتنا الرياضية على استضافة كبرى الفعاليات العالمية، بل تمتد لتشمل وضع استراتيجيات مستقبلية، تتعلق ببناء المنشآت الرياضية، وتحسين جودة البنى التحتية، والعمل على إدراج التقنيات الحديثة، لصناعة أثر واعد، يمتدّ ليشمل الملاعب والصالات الرياضية في مختلف أنحاء المملكة، ويساعد في اكتشاف مواهبَ أكبر في المناطق والمدن والمحافظات، من خلال المراكز التدريبية والمدارس، ولنجعل من الرياضة أسلوب حياة، ففي عام 2025م، بلغت نسبة ممارسي النشاط البدني لمدة 150 دقيقة أسبوعيًا 59.1% من البالغين، متجاوزة المستهدف لعام 2027م، في حين ارتفعت نسبة الأطفال الممارسين للنشاط البدني إلى 19%، محققة المستهدف المحدد لعام 2029م، في إنجاز يعكس تقدم المملكة في بناء مجتمع صحي وحيوي.
كما نلحظ ارتفاعًا في عدد النساء الرياضيات المسجلات بنسبة 52% بين عامي 2022 و2023، مدفوعًا بالطفرة اللافتة في قطاع كرة القدم النسائية، إذ يتجاوز عدد الفرق المشاركة 90 فريقًا، ضمن أكثر من 40 ناديًا في ثلاث درجات من المسابقات. كما تشارك أكثر من 1000 مدربة في صناعة مستقبل الرياضة النسائية، وتتنافس أكثر من 70 ألف طالبة في دوري المدارس الوطني.
يحمل كل رقم من هذه الأرقام في طياته قصة طموحٍ وفخر، وفرص تفتح آفاق الوصول إلى منصات التتويج، لتتوالى قصص بزوغ النجوم وصناعة الأبطال من الشباب الجدد، ففي عام 2024م احتفت المملكة بأول رياضية سعودية تتأهل إلى الأولمبياد، وفوزها بميدالية ذهبية في الألعاب البارالمبية، إضافة إلى أكثر من 350 ميدالية حققها رياضيون سعوديون في البطولات الدولية، وهذه الإنجازات ليست سوى بداية، فالمستقبل يعد بمزيد من الازدهار.
طموح المملكة لا حدود له
إن التحول الرياضي في المملكة يعكس إطلاق الطاقات الكامنة لأبناء شعبنا، ويجعل المملكة وجهةً رياضيةً عالمية، حيث يُعد فوز المملكة باستضافة كأس العالم 2034 محطة فارقة في مسيرتنا، إذ يبرز هذا الإنجاز الدعم غير المحدود من قيادتنا الرشيدة، ورغبتنا الصادقة في الترحيب بالعالم، وإيماننا الراسخ بقدرة الرياضة على إحداث تغيير مستدام.. لكنها ليست نقطة البداية، ولن تكون نقطة الختام، فالتحول في قطاع الرياضة في المملكة رحلة متواصلة لا تنتهي، وستغدو مملكتنا -بإذن الله- مركزاً رياضياً عالمياً، يطوّر المواهب المحلية، ويصبح بيئة جاذبة للرياضيين العالميين على اختلاف تخصصاتهم.
لأننا حالمون فنحن دوماً نسعى للتغيير والتطوير، كما ندعو العالم أجمع ليكون شريكًا لنا في صناعة هذا المستقبل.