كشف باحثون من جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية "كاوست" عن نظام ثوري قد يُحدث تحولاً نوعيًا في طرق التعامل مع انبعاثات الكربون، من خلال تحويل ثاني أكسيد الكربون المحتجز إلى إيثيلين صناعي، وهو مركب كيميائي يدخل في صناعة البلاستيك والمنسوجات ومواد البناء.
ونُشرت تفاصيل هذا الابتكار في مجلة Nature Catalysisالعلمية المتخصصة، حيث استعرض الفريق البحثي آلية عمل النظام وكفاءته في تحويل غاز "CO₂" إلى منتج عالي القيمة تحت ظروف صناعية واقعية باستخدام ثاني أكسيد الكربون المضغوط.
وأوضح الباحث الرئيسي في الدراسة البروفيسور في الهندسة الميكانيكية في قسم العلوم والهندسة الفيزيائية في كاوست شو لو، أن التقنية الجديدة تُحوّل عملية احتجاز الكربون – التي تُعد تقليديًا مكلفة – إلى فرصة اقتصادية قابلة للاستثمار. وقال: "صممنا النظام واختبرناه في بيئة صناعية حقيقية، وأظهرت النتائج قدرة عالية على تحويل الكربون المحتجز إلى إيثيلين؛ مما يمنحه قيمة اقتصادية مباشرة."
ويمثل هذا التطور خطوة مهمة نحو حلول مستدامة للحد من انبعاثات الغازات الدفيئة، من خلال إعادة تدوير الكربون وتحويله إلى مدخلات صناعية يمكن استخدامها في قطاعات اقتصادية حيوية.
هناك طرق عديدة لمعالجة ثاني أكسيد الكربون، غير أن إنتاج الإيثيلين – الذي يتجاوز حجم سوقه العالمي 200 مليار دولار سنويًا – يجعل من التحليل الكهربائي خيارًا واعدًا على نحو خاص؛ إذ يمكن تشغيله بالكهرباء المتجددة، ويعمل في ظروف أبسط مقارنة بالطرق الأخرى.
وقاد شو لو فريقًا بحثيًا صمم محللاً كهربائيًا عالي الضغط لتحويل الأكسجين والماء إلى إيثيلين. ويُعد ثاني أكسيد الكربون عالي الضغط ناتجًا طبيعيًا لأنظمة احتجاز الكربون التجارية، لكن لم تحظَ مسألة الضغط بالاهتمام الكافي في البحوث المتعلقة بتحويله إلى منتجات قيّمة. وأكد شو لو أن إنجاز كاوست هو الأول الذي يبرهن أن استخدام ضغوط صناعية لثاني أكسيد الكربون يحسّن إلى حد بعيد من أداء عملية التحليل الكهربائي واستقرارها.
وعلى النقيض من الأنظمة السابقة التي تتطلب خطوات خفض أو إعادة ضغط مرتفعة التكلفة، وتستهلك كميات كبيرة من الطاقة، ويصعب معها تنقية الإيثيلين الناتج؛ بسبب اختلاطه بمنتجات أخرى، يقلّل نظام كاوست من استهلاك الطاقة لإنتاج الطن الواحد من الإيثيلين بمقدار 0.8 غيغاجول مقارنة بالأنظمة الحالية. وهذه كمية طاقة تكفي لتشغيل منزل عادي لمدة أسبوع كامل.
وأظهرت التحليلات الاقتصادية أن بإمكان عملية كاوست إنتاج الإيثيلين بكلفة تبلغ 1,240 دولارًا للطن الواحد؛ أي ما يقارب سعر السوق الحالي. غير أن الفرق الجوهري يكمن في أن النظام الجديد لا يعتمد على طرق الإنتاج التقليدية كثيفة الطاقة والكربون، بل يستخدم ثاني أكسيد الكربون نفسه، ويمكن تشغيله بالطاقة المتجددة. ومع تحسين النظام، يمكن أن تنخفض التكاليف أكثر؛ مما يحول احتجاز الكربون من عبء مالي إلى فرصة ربحية، إضافة إلى دعم طموح المملكة العربية السعودية في بناء اقتصاد دائري للكربون بحلول عام 2060. كما ساهم البروفيسور ويليام روبرتس أستاذ الهندسة الميكانيكية في كاوست في هذا البحث.