تقود المملكة بالشراكة مع فرنسا، اليوم (الاثنين)، قمة دولية رفيعة المستوى في نيويورك؛ تهدف إلى إعادة إحياء مبادرة حل الدولتين والدفع نحو اعتراف أوسع بدولة فلسطينية، وذلك في لحظة مفصلية تشهد فيها القضية الفلسطينية تصعيدًا عسكريًا وأزمة إنسانية متفاقمة في قطاع غزة.

وتُعقد القمة بمبادرة سعودية واضحة؛ حيث تسعى المملكة إلى حشد تأييد دولي واسع لخارطة طريق سياسية تبدأ بوقف إطلاق النار وتدفق المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، ثم الانتقال إلى خطوات سياسية تؤسس لحل الدولتين، في وقت تتزايد فيه المؤشرات على تحولات في مواقف عدد من الدول الغربية تجاه الصراع الفلسطيني– الإسرائيلي. وتأتي هذه القمة قبل انطلاق أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، وفي ظل تصعيد إسرائيلي واسع ضد غزة والضفة الغربية، يقابله تحرك دولي يتخذ منحى أكثر جدية نحو إنهاء النزاع.

وفي إطار قيادة المملكة لهذه القمة بالاشتراك مع فرنسا، يحضر ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان القمة عبر تقنية الفيديو، بعدما وافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم الجمعة الماضي على إمكانية ظهور ولي العهد عبر الفيديو في اجتماع اليوم (الاثنين).

وقد شهدت الساعات التي سبقت انعقاد القمة تطورًا لافتًا؛ حيث أعلنت بريطانيا وكندا وأستراليا والبرتغال اعترافها الرسمي بدولة فلسطين، في خطوة رحّبت بها جهات دولية عديدة، فيما تشير مصادر دبلوماسية إلى أن فرنسا وخمس دول أخرى من المتوقع أن تعلن رسميًا عن اعترافها خلال القمة، ويأمل منظمو القمة، وفي مقدمتهم المملكة وفرنسا، أن يؤدي هذا الزخم إلى تحريك المجتمع الدولي نحو إجراءات سياسية ملموسة، وعدم الاكتفاء بالإدانات والبيانات.

في المقابل، قوبلت هذه التحركات برفض قاطع من إسرائيل والولايات المتحدة اللتين أعلنتا مقاطعة القمة، وصرح سفير إسرائيل لدى الأمم المتحدة داني دانون، بأن بلاده تعتبر الحدث "سيركًا سياسيًا"، متهمًا المشاركين بأنهم يكافئون "الإرهاب"، حسب وصفه، كما أشارت تقارير إعلامية إسرائيلية إلى أن الحكومة الإسرائيلية تدرس اتخاذ إجراءات أحادية، قد تشمل ضمّ أجزاء من الضفة الغربية، بالإضافة إلى خطوات دبلوماسية ضد باريس.

من جانبها، أبدت الإدارة الأمريكية اعتراضًا شديدًا على مسار القمة، وحذّرت من "عواقب محتملة" قد تطال الدول التي تتخذ مواقف تصعيدية ضد إسرائيل، بما في ذلك فرنسا التي تستضيف القمة.

وعلى الرغم من أن القمة تتمحور حول القضية الفلسطينية، فإن الرئيس الفلسطيني محمود عباس وكبار مسؤولي السلطة الفلسطينية لن يشاركوا حضوريًا، بعد أن رفضت الولايات المتحدة منحهم تأشيرات الدخول، لكن من المقرر أن يشارك عباس عبر الاتصال المرئي، في وقت تواصل فيه إسرائيل التشكيك في قدرة القيادة الفلسطينية الحالية على تنفيذ إصلاحات سياسية وإدارية، وهو ما عبرت عنه صراحة في رسالة سابقة إلى الرئيس الفرنسي.

وتتزامن القمة مع تصعيد عسكري واسع تقوده إسرائيل ضد قطاع غزة منذ نحو عامين، اشتد خلال الأسابيع الأخيرة مع إطلاق عملية برية واسعة على مدينة غزة، وسط مؤشرات على انسداد في أفق وقف إطلاق النار في الحرب التي اندلعت عقب هجوم حركة حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر 2023، حيث أدت الحملة الإسرائيلية إلى مقتل أكثر من 65 ألف فلسطيني وإصابة أكثر من ضعفهم، معظمهم من المدنيين، إلى جانب تدمير البنية التحتية، ونزوح جماعي متكرر للسكان، وتفاقم خطر المجاعة في القطاع المحاصر.

وفي هذا السياق، كانت الجمعية العامة للأمم المتحدة قد أقرت في وقت سابق من هذا الشهر إعلانًا مكونًا من سبع صفحات يتضمن خطوات عملية "ملموسة ومحددة المدة ولا رجعة فيها" نحو حل الدولتين، متضمِّنًا في الوقت نفسه إدانة لحركة حماس ومطالبتها بنزع السلاح؛ الإعلان الذي تساهم قمة اليوم في تفعيله، يمثل الأساس الذي تبني عليه المملكة وفرنسا تحركاتهما الدبلوماسية.

وقال وزير الدولة الفرنسي للشؤون الأوروبية جان نويل بارو، إن "إعلان نيويورك ليس وعدًا غامضًا للمستقبل البعيد، بل خارطة طريق تبدأ بوقف إطلاق النار، وإطلاق سراح الرهائن، وضمان دخول المساعدات الإنسانية"، مؤكدًا أن المرحلة التالية ستكون مناقشة خطة ما بعد وقف إطلاق النار، تمهيدًا لتسوية شاملة.

من جهتها، قالت وزيرة الدولة لشؤون وزارة الخارجية والمغتربين الفلسطينية، فارسين أغابكيان شاهين، إن العالم "ينادي بصوت عالٍ بدولة فلسطينية، وعلينا تحقيق ذلك"، مضيفة أن على المجتمع الدولي الآن إظهار جدية هذه الخطوات عبر تنفيذها.

ومع انعقاد القمة اليوم، تترقب الأوساط السياسية والدبلوماسية نتائجها وما ستفرزه من مواقف جديدة، في ظل التباين الحاد في المواقف الدولية، والانقسام بين من يرى في الاعتراف بالدولة الفلسطينية خطوة نحو السلام، ومن يراها تصعيدًا يُبعد فرص التفاوض، وبين هذا وذاك، تبقى المملكة في صدارة المشهد، تقود المبادرة بدبلوماسية نشطة، وتسعى لتوظيف موقعها السياسي وعلاقاتها الدولية لإعادة التوازن إلى ملف ظلت قضاياه معلقة لعقود.

في هذا السياق عبّر النازح الفلسطيني نبيل جابر في تصريح لوكالة "رويترز"، عن شكوكه في أن يؤدي الاعتراف بدولة فلسطينية إلى تقدم ملموس، مشيرًا إلى أن أيًا من الدول لن تمارس ضغطًا كافيًا على إسرائيل للقبول بحل الدولتين.

وقال: "حتى لو اعترفت هذه الدول.. أستراليا وكندا وفرنسا.. بالتأكيد كانت ضمن سياق الدول المبادرة لهذا الاعتراف.. أعتقد أنه لن يكون هناك جدية في الضغط على إسرائيل لإعطاء الفلسطينيين حقوقهم".

وأضاف: "آمل أن تكون الدبلوماسية أداة ضغط.. الاعترافات التي تقوم بها بعض الدول وخصوصا دول كبيرة... إنها تكون لها ضغط كبير على موضوع وقف إطلاق النار والحرب بشكل كامل". 

بدوره عدّ محمد أبو الفهيم هذه الاعترافات "انتصار للحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني".