يُعدّ مرض السكري من أكثر الأمراض المزمنة شيوعًا حول العالم، وينتج عن اضطراب في إنتاج أو استخدام هرمون الإنسولين المسؤول عن تنظيم مستوى السكر في الدم، وتشير تقديرات منظمة الصحة العالمية إلى أن عدد المصابين تجاوز 500 مليون شخص عالميًا، مع ارتفاع متوقع خلال العقود القادمة بسبب أنماط الحياة غير الصحية وزيادة معدلات السمنة.
وإلى جانب كونه مرضًا مزمنًا، يُعتبر السكري تحديًا صحيًا عالميًا تتداخل فيه العوامل الوراثية والبيئية والسلوكية. فالإصابة به لا تعني فقط ارتفاع مستوى السكر، بل تشمل سلسلة من التغيرات الأيضية التي تؤثر على جودة الحياة، وتزيد احتمالات الإصابة بأمراض خطيرة، لذا، يعد فهم أنواعه وأسبابه وعوامل الخطورة خطوة أساسية نحو الوقاية والعلاج المبكر.
أسباب الإصابة بمرض السكري
تنشأ الإصابة بمرض السكري من خلل في التوازن بين إنتاج الإنسولين واستخدامه داخل الجسم. فعندما يعجز البنكرياس عن إفراز كميات كافية من الإنسولين، أو عندما تصبح خلايا الجسم غير قادرة على الاستجابة له، يرتفع مستوى السكر في الدم تدريجيًا، ويمكن أن تكون هذه الحالة نتيجة اضطراب مناعي، أو تأثير لعوامل هرمونية، أو تلف في خلايا البنكرياس.
كما تلعب العوامل الوراثية ونمط الحياة دورًا كبيرًا في تحديد قابلية الإصابة. فالسمنة، والنظام الغذائي الغني بالسكريات والدهون، وقلة الحركة البدنية، تعد من أبرز المسببات التي تزيد من خطر تطور المرض، وفي حالات أخرى، قد تكون العدوى الفيروسية أو تناول أدوية معينة لفترات طويلة من العوامل المحفزة للإصابة.
أسباب النوع الأول من السكري
يحدث السكري من النوع الأول بسبب هجوم مناعي ذاتي يدمّر خلايا بيتا المسؤولة عن إنتاج الإنسولين في البنكرياس. هذا الهجوم يؤدي إلى نقص حاد أو غياب تام للإنسولين، ما يجعل المريض يعتمد على الحقن اليومية لتعويض النقص، ويُعتقد أن العوامل الوراثية تهيئ الجسم لهذه الاستجابة المناعية غير الطبيعية، بينما تلعب الفيروسات وبعض العوامل البيئية دورًا في تحفيزها.
وقد كشفت دراسات حديثة أن بعض الفيروسات مثل "كوكساكي" و"النكاف" قد تكون من المحفزات المحتملة لتطور هذا النوع، ويظهر السكري من النوع الأول عادة في مرحلة الطفولة أو المراهقة، لكنه قد يصيب البالغين أيضًا. ويتميز بظهور الأعراض بسرعة، مثل العطش المفرط، وكثرة التبول، وفقدان الوزن المفاجئ.
أسباب النوع الثاني من السكري
ينتج السكري من النوع الثاني عن مقاومة خلايا الجسم لتأثير الإنسولين، أو عن انخفاض تدريجي في إنتاجه من البنكرياس. ويُعد هذا النوع الأكثر شيوعًا عالميًا، إذ يشكّل نحو 90% من حالات السكري، وترتبط أسبابه بشكل رئيسي بنمط الحياة غير الصحي، مثل الإفراط في تناول السعرات الحرارية، وزيادة الوزن، وقلة النشاط البدني.
وتلعب الوراثة دورًا واضحًا أيضًا، حيث يزداد خطر الإصابة إذا كان أحد الوالدين أو الأشقاء مصابًا بالمرض. كما أن التقدم في العمر، وضغط الدم المرتفع، واضطرابات الدهون كلها عوامل تضعف حساسية الجسم للإنسولين، وغالبًا ما يتطور هذا النوع ببطء دون أعراض واضحة في البداية، مما يجعل الفحص الدوري ضروريًا لاكتشافه مبكرًا.
أسباب سكري الحمل
يحدث سكري الحمل عندما تعجز خلايا الجسم عن الاستجابة للإنسولين بشكل كافٍ خلال فترة الحمل نتيجة التغيرات الهرمونية، فالمشيمة تفرز هرمونات تساعد على نمو الجنين، لكنها في الوقت نفسه تقلل حساسية الخلايا للإنسولين، مما يؤدي إلى ارتفاع مستوى السكر في الدم لدى الأم.
ويختفي المرض بعد الولادة في معظم الحالات، لكن المرأة تظل معرضة لخطر الإصابة بالنوع الثاني في المستقبل. وتشير الإحصاءات إلى أن واحدة من كل عشر نساء حوامل قد تصاب بهذا النوع، خصوصًا إذا كانت تعاني من السمنة أو لديها تاريخ عائلي للسكري، كما أن المراقبة الدقيقة أثناء الحمل تضمن الوقاية من مضاعفات قد تصيب الأم والجنين معًا.
أسباب السكري الثانوي
يُعرف السكري الثانوي بأنه النوع الذي ينشأ نتيجة أمراض أو اضطرابات أخرى تصيب البنكرياس أو الغدد الصماء. من أبرز أسبابه التهاب البنكرياس المزمن، أو استئصال جزء من البنكرياس جراحيًا، أو الإصابة بالأورام التي تؤثر على قدرته في إفراز الإنسولين، كذلك، فإن استخدام بعض الأدوية مثل الكورتيزون ومدرات البول قد يرفع مستوى السكر في الدم ويؤدي إلى الإصابة المؤقتة بالسكري.
كما يمكن أن تتسبب الاضطرابات الهرمونية مثل متلازمة كوشينغ أو فرط إفراز هرمون النمو في زيادة مقاومة الجسم للإنسولين، ويُعتبر هذا النوع قابلًا للعلاج في بعض الحالات إذا تمت السيطرة على السبب الرئيسي، ما يميز السكري الثانوي عن النوعين الأول والثاني المزمنين.
عوامل الخطر التي تزيد احتمالية الإصابة بالسكري
تتعدد عوامل الخطر التي ترفع احتمالية الإصابة بمرض السكري، ومن أبرزها السمنة وقلة النشاط البدني والعادات الغذائية غير الصحية، فالإفراط في تناول الكربوهيدرات والدهون المشبعة يؤدي إلى تراكم الدهون في الكبد والعضلات، مما يقلل من استجابة الخلايا للإنسولين. كما أن التقدم في العمر يزيد من احتمالية الإصابة بسبب بطء عمليات التمثيل الغذائي.
إضافة إلى ذلك، يُعد التاريخ العائلي عاملاً حاسمًا، إذ تزيد فرصة الإصابة إذا كان أحد أفراد العائلة مصابًا بالمرض، كذلك، فإن ارتفاع ضغط الدم والكوليسترول، والتوتر المزمن، والنوم غير الكافي كلها عوامل تسهم في إضعاف التحكم بمستويات السكر في الدم.
عوامل خطر سكري النوع الأول
تتمثل عوامل الخطر الخاصة بالنوع الأول في الاستعداد الوراثي والعوامل البيئية، فوجود جينات معينة مثل HLA-DQ وHLA-DR يزيد من احتمالية تطور المرض. كما أن وجود أحد الوالدين أو الأشقاء مصابًا بالسكري من النوع الأول يضاعف خطر الإصابة.
وتشير دراسات أخرى إلى أن بعض العدوى الفيروسية في الطفولة المبكرة قد تحفز الجهاز المناعي على مهاجمة خلايا البنكرياس، إضافة إلى ذلك، وُجد أن قلة الرضاعة الطبيعية والتعرض المبكر لحليب الأبقار قد تكون عوامل مساعدة، وإن كان ذلك لا يزال قيد البحث العلمي.
عوامل خطر سكري النوع الثاني
يرتبط خطر الإصابة بالنوع الثاني ارتباطًا وثيقًا بـ نمط الحياة. فزيادة الوزن، وخاصة تراكم الدهون في منطقة البطن، تجعل الجسم أقل استجابة للإنسولين، كما أن قلة النشاط البدني تؤدي إلى ضعف استهلاك الجلوكوز من قبل العضلات، مما يرفع مستواه في الدم.
كذلك تُعد الوراثة والتاريخ العائلي من العوامل المهمة، إضافة إلى العمر فوق 45 عامًا، وارتفاع ضغط الدم، والكوليسترول الضار، ومتلازمة تكيس المبايض عند النساء. ويُلاحظ أن انتشار هذا النوع آخذ في الارتفاع بين الشباب نتيجة الأنماط الغذائية الحديثة وقلة الحركة اليومية.
عوامل خطر سكري الحمل
من أبرز عوامل خطر سكري الحمل: زيادة الوزن قبل الحمل، والتاريخ العائلي للإصابة بالسكري، والتقدم في العمر عند الحمل الأول، كما أن النساء اللاتي أنجبن أطفالًا بوزن يزيد على 4 كجم أكثر عرضة للإصابة في الحمل اللاحق.
كذلك، فإن الحمل المتكرر، أو الحمل بتوائم، أو وجود اضطرابات هرمونية مثل تكيس المبايض، تزيد من احتمال الإصابة، وتوصي الجمعيات الطبية بمتابعة مستويات السكر في الأسبوع 24 إلى 28 من الحمل للكشف المبكر عن أي ارتفاع في الجلوكوز وتجنّب المضاعفات.
هل يمكن الوقاية من مرض السكري؟
رغم أن النوع الأول من السكري لا يمكن الوقاية منه بعد، فإن الأبحاث تتجه نحو إيجاد لقاحات قد تمنع الاستجابة المناعية المسببة له في المستقبل، أما بالنسبة للنوع الثاني وسكري الحمل، فيمكن تقليل خطر الإصابة بهما بشكل كبير من خلال تعديل نمط الحياة.
وتشمل طرق الوقاية اتباع نظام غذائي صحي غني بالخضروات والألياف، وممارسة النشاط البدني بانتظام، والحفاظ على وزن مناسب، وتقليل التوتر، والإقلاع عن التدخين، كما أن الفحوص الدورية لمستوى السكر في الدم، خاصة للأشخاص المعرضين للخطر، تُعد وسيلة فعالة لاكتشاف المرض في مراحله المبكرة ومنع تطور مضاعفاته.