في مدينة الأحساء الهادئة، التي طالما عُرفت بكونها منجمًا لا ينضب للمواهب الكروية، بدأت فصول حكاية نواف بوشل؛ لاعب شق طريقه بثبات نحو النجومية، حتى بات واحدًا من أبرز الأظهرة اليمنى في الكرة السعودية خلال السنوات الأخيرة، بفضل موهبته اللافتة، وانضباطه العالي، وتطوره المستمر داخل المستطيل الأخضر.
التحق بوشل في بداياته بالفئات السنية لنادي الفتح، النادي المعروف بصناعة النجوم وصقل المواهب الشابة، وسرعان ما لفت الأنظار بسرعته الكبيرة وقدرته على الموازنة بين الواجبات الدفاعية والأدوار الهجومية، ما عجّل بتصعيده إلى الفريق الأول في سن مبكرة، لتبدأ رحلته الفعلية مع الأضواء. وفي موسم 2018–2019، حصل على فرصته الأولى في دوري المحترفين السعودي، فاستثمرها بالشكل الأمثل، مقدمًا مستويات اتسمت بالثقة والهدوء، ليصبح خلال فترة وجيزة أحد الركائز الأساسية في دفاع الفتح واسمًا ثابتًا في مركز الظهير الأيمن.
ومع توالي المواسم، واصل بوشل تقديم مستويات ثابتة، تجمع بين الصلابة الدفاعية والمساندة الهجومية الذكية، حتى بات بحلول موسم 2021–2022 من أبرز الأظهرة في دوري روشن السعودي، ما جعله هدفًا لاهتمام الأندية الكبرى. وفي يناير 2023، أعلن نادي النصر التعاقد معه في صفقة وُصفت بالنوعية، نظرًا لما يمتلكه اللاعب من إمكانات فنية تتماشى مع طموحات النادي العاصمي في المنافسة على البطولات المحلية والقارية.
وبانتقاله إلى النصر، دخل نواف بوشل مرحلة أكثر نضجًا في مسيرته، وسط كوكبة من النجوم المحليين والعالميين. وبرز بانطلاقاته السريعة، ودقته في العرضيات، وحضوره المؤثر في الشق الهجومي، ليصبح أحد أبرز الأظهرة في الدوري خلال الفترة الأخيرة. وشكّل موسم 2024–2025 ذروة عطائه مع النصر؛ إذ يُعدّ الأفضل في مسيرته بدوري روشن السعودي، بعدما سجّل أعلى حصيلة تهديفية له على الإطلاق، مسهمًا في 8 أهداف، بواقع هدفين و6 تمريرات حاسمة، في تأكيد واضح على تطوره الفني وقدرته على صناعة الفارق من الجبهة اليمنى.
ولم يقتصر تأثير بوشل على لغة الأرقام فحسب، بل ظهر حضوره الحاسم في المباريات الكبرى، وكان أبرزها مواجهة الخليج، حين قدّم تمريرتين حاسمتين؛ الأولى ترجمها ساديو ماني، فيما تُوِّجت الثانية بهدف استثنائي سجله كريستيانو رونالدو عبر مقصية أيقونية، لتبقى تلك اللقطة واحدة من أبرز مشاهد الموسم.
هذا التألق اللافت بقميص النصر منحه زخمًا إضافيًا على الصعيد الدولي، ليواصل حضوره بثبات مع المنتخب السعودي الأول، الذي يخوض حاليًا منافسات كأس العرب قطر 2025، بعد أن نال ثقة الجهاز الفني بقيادة الفرنسي هيرفي رينارد. وشارك بوشل حتى الآن في 21 مباراة دولية، قدم خلالها مستويات ناضجة تعكس تطوره الفني وخبرته المتراكمة، في ظل منافسة قوية على مركز الظهير الأيمن.
وقبيل المواجهة المرتقبة أمام المنتخب الأردني في الدور نصف النهائي، أكد بوشل جاهزية «الأخضر» لهذه المباراة التي وصفها بـ«القوية»، مثمّنًا في الوقت ذاته الدعم الجماهيري الكبير، ومشددًا على أهمية الحضور في المدرجات، باعتباره الدافع الحقيقي لتحقيق الانتصارات، ومصدر القوة الأول للمنتخب.
هكذا تتواصل مسيرة نواف بوشل، من ملاعب الأحساء إلى منصات التألق مع النصر والمنتخب السعودي، في قصة لاعب عرف كيف يصنع اسمه بهدوء، ويثبت قيمته بثبات.
