عمل الملك عبدالعزيز على إرساء دعائم الدولة بوسائل عدة كان عمادها اختيار الرجال الأمناء الأكفاء لتأسيس الأجهزة الأمنية والتنفيذية والقضائية، ومن هؤلاء الشيخ عبدالله بن بليهد العالم الزاهد والقاضي الجليل الذي عُرف بعلمه الوفير الذي ينشره بين الناس وعمله في الإصلاح بين المتخاصمين، فاختاره الملك المؤسس قاضياً في القصيم ومكة والمدينة ومبعوثاً سياسياً لاستقبال وفود الحجيج من الدول العربية والإسلامية.
اختاره الملك عبدالعزيز قاضيًا على القصيم سنة 1333هـ/ 1915م
مولده ونشأته
وُلد الشيخ عبدالله بن سليمان بن سعود بن بليهد الخالدي عام 1284هـ/ 1867م في بلدة القرعاء شمال منطقة القصيم، ونشأ في أسرة علمية ودينية عريقة، فجدّه سعود بن بليهد من كبار قضاة الإمام تركي بن عبدالله، ووالده إمام ومُربٍّ وعالم في شمال القصيم.
في هذا الجو، تعلّم عبدالله القراءة والكتابة وحفظ القرآن الكريم، ثم قرأ التفسير والحديث على مشايخ بلدته، وانتقل إلى المذنب ولازم الشيخ محمد بن دخيل، ثم بريدة على يد الشيخ محمد بن عبدالله بن سليم، كما رحل إلى الهند طلبًا للعلاج والعلم، ونهل من علماء الهند الحديث وعاد إلى نجد بفكر وفير وعلم غزير.
عُرف عنه الذكاء منذ نعومة أظفاره وحبّ العلم وطلبه الشاق، فعندما كان يطلب العلم في بريدة، كانت وسادته لبنة على سطح الجامع، اشتهر بين طلاب العلم والدعاة، فصار له تلاميذ كُثر، وكان يطوف القرى مرشدًا ومعلمًا وناصحًا، ووجد شهرة واسعة في نجد وما حولها، وذاع صيته بين أهل البادية والحاضرة، حتى عُدَّ من كبار علماء نجد في عصره.
دوره في توحيد المملكة
اختاره الملك عبدالعزيز قاضيًا على القصيم سنة 1333هـ/ 1915م، ونجح في إصلاح المجتمع ونشر العدل فيه، وقاد مبادرات إصلاحية عدة، ثم نُقل إلى حائل، واتسم بالحزم والعدل حتى صار مضرب المثل في النزاهة، في سنة 1344هـ/ 1926م نقله المؤسس رئيسًا للقضاة في مكة، ونجح في تنظيم أعمال القضاء الشرعي، كما أوفده الملك للإشراف على أعمال المدينة المنورة الشرعية وتنظيم القضاء فيها، وكلّفه بالتمثيل السياسي في لقاءات الوفود الدولية خلال موسم الحج.
كان واحدًا من أصحاب الرأي والفراسة، وأثنى عليه علماء عصره بقوته ورجاحة عقله في المناظرات، جعله الملك عبدالعزيز مستشارا دينيا وقانونيا موثوقا، وكان ينتدبه إلى القرى والبوادي لفكّ النزاعات وتثبيت الأمن وترسيخ قِيم العدالة.
علاقته مع الملك عبدالعزيز
ارتبط الشيخ عبدالله البليهد بعلاقة قائمة على الثقة والهيبة مع الملك عبدالعزيز، لم يكن فقط قاضيًا، بل كان مبعوث الملك لحسم الخلافات بين القبائل، وحاضرًا في القضايا السياسية الكبرى لأي مشورة يطلبها الملك بنفسه؛ وضرب البليهد المثل في الأمانة حين ذكر الحق دون محاباة أي شخص حتى ولو كان لديه اختلاف معه.
الوفاة
توفى الشيخ عبدالله ليلة الاثنين 10 جمادى الأولى 1359هـ/ 1939م بالطائف، بعد مسيرة تعليمية وقضائية حافلة، جمع بين الرؤية الدينية والسياسية في خدمة مصالح المملكة، شيّعه العلماء والأعيان وخلّدت مؤلفاته سيرته، كأحد أبرز العلماء في مسيرة القضاء السعودي الحديث.
تسجيل الدخول
أضف تعليقك































