تحتضن محافظة العُلا أحد أبرز الشواهد الأثرية في شمال غرب الجزيرة العربية، والمتمثل في مقابر الأسود بمدينة دادان، التي يعود تاريخها إلى النصف الأول من الألفية الأولى قبل الميلاد، وتعكس عمق الحضور الحضاري للمنطقة في تلك الحقبة.
وعلى سفوح جبل دادان، تنتشر المقابر المنحوتة في الصخر بأشكال وأحجام متعددة، حيث تظهر نماذج لمقابر جماعية تضم غرفًا صخرية تحتوي على عدة قبور، إلى جانب مقابر فردية حُفرت في واجهة الجبل على هيئة فتحات مربعة يزيد عمقها على مترين.
وتبرز من بين هذه المقابر واجهة فريدة تزيّنها أربعة أسود منحوتة بعناية، يتوزع كل أسدين منها حول قبر واحد، وهو ما منح الموقع تسميته الشهيرة بمقبرة الأسود، وقد صُممت هذه المنحوتات داخل تجاويف مستطيلة غائرة، وتظهر في وضعية مواجهة، مرتكزة على القوائم الأمامية، بأسلوب فني يتسم بالتجريد والتحوير الهندسي، مع إبراز تفاصيل الوجه واللبدة عبر خطوط أفقية منتظمة.
وفي سياق الرمزية الحضارية، احتل الأسد مكانة بارزة في حضارات الشرق القديم، حيث ارتبط بمعاني القوة والحماية والهيبة، ما يشير إلى الأبعاد الرمزية التي حملتها هذه المنحوتات ضمن المعتقدات الجنائزية السائدة آنذاك.
وتعكس مقابر الأسود قيمة تاريخية وثقافية عالية، إذ تسلط الضوء على تطور الفنون والعمارة الجنائزية في العُلا، وتؤكد مكانة الموقع بوصفه سجلًا حضاريًا يوثق مراحل مهمة من تاريخ المنطقة عبر العصور.





