تظل موجات التسونامي من أخطر الكوارث الطبيعية التي تهدد الدول الساحلية حول العالم، مما يستدعي تطوير أنظمة الإنذار المبكر وتوعية السكان بكيفية التعامل مع مثل هذه الكوارث؛ لتقليل الخسائر البشرية والمادية، ومما يثير في الوقت ذاته الكثير من التساؤلات حول كيفية حدوث التسونامي وآليات الوقاية منه وتقليل مخاطره.
أحدث موجة تسونامي
وكانت أحدث موجة تسونامي تلك التي ضربت سواحل مطلة على المحيط الهادئ بعد زلزال يُعتبر من الأقوى في العالم بلغت قوته 8.8 ريختر وضرب الليلة الماضية قبالة أرخبيل كامتشاتكا بأقصى الشرق الروسي، بحسب معهد الجيوفيزياء الأمريكي ومقره في هاواي.
وعلى إثر هذا الزلزال، سُجلت في السواحل الأمريكية واليابانية موجات تسونامي بلغ ارتفاعها 1و3 أمتار، وتوقعت وكالة الأرصاد الجوية اليابانية موجات يبلغ ارتفاعها ثلاثة أمتار على طول ساحل البلاد المطل على المحيط الهادئ.
ما هو التسونامي؟
يعرف علماء الجيولوجيا التسونامي بأنه سلسلة من الأمواج البحرية العملاقة التي تنتج عن اضطرابات مفاجئة في قاع المحيط، مثل الزلازل أو الانفجارات البركانية أو الانهيارات الأرضية تحت الماء، حيث تمتاز هذه الأمواج بسرعتها الكبيرة التي تصل لمئات الكيلومترات في الساعة، وبارتفاعها الهائل الذي قد يتجاوز 30 مترًا عند وصولها إلى السواحل.
سبب تسميته بالتسونامي
وكلمة "تسونامي" (Tsunami) أصلها ياباني، وتتكون من كلمتين: "تسو" (tsu) وتعني "ميناء"، و"نامي" (nami) وتعني "موجة"، أي "موجة الميناء"، وقد أُطلق هذا الاسم لأن هذه الأمواج العاتية غالبًا ما تُلاحَظ بشكل مفاجئ عند وصولها إلى الموانئ، حيث تكون قد اكتسبت قوة هائلة بعد عبورها المحيطات.
كيفية حدوث التسونامي
يحدث التسونامي نتيجة اضطراب مفاجئ في قاع المحيط أو البحر، يؤدي إلى إزاحة كمية ضخمة من المياه، وهذا الاضطراب قد يكون ناتجًا عن زلزال تحت سطح البحر وهو السبب الأكثر شيوعًا.
هذا الاضطراب يحدث بسبب انتقال مفاجئ للطاقة إلى عمود الماء، وغالبًا ما يكون ذلك نتيجة حركة مفاجئة في الصفائح التكتونية، وعندما تنزلق هذه الصفائح أو تصطدم ببعضها البعض، فإنها تدفع المياه فوقها بقوة هائلة، مما يؤدي إلى سلسلة من الأمواج التي قد تبدو صغيرة في عرض البحر، لكنها تزداد ارتفاعًا وقوة كلما اقتربت من الشاطئ.
وبحسب علماء الجيولوجيا، فإن موجات التسونامي الناجمة عن صدمة الزلزال تزداد قوة كلما اصطدمت بقعر البحار، ولا يولد التسونامي عند نقطة انطلاقه سوى موجات صغيرة متباعدة جدا لأن كميات المياه الهائلة التي يحركها الزلزال تجتاح العمق على امتداد تضاريس قعر البحر بخلاف الموجات العادية التي تبقى عند سطح المياه.
لكن مع تتالي هذه الموجات وتقدمها باتجاه السواحل بسرعة حوالى 800 كيلومتر في الساعة يرتفع مستوى قعر المحيط ويقوم بتركيز الطاقة التي ينقلها التسونامي، فتتباطأ عندها الموجات وتتقارب ويزيد ارتفاعها بشدة ليصل أحيانا إلى أكثر من 20 مترا.
وعلى غرار انتشارها في البحر، لا تفقد الموجة الكثير من طاقتها ويمكنها أن تقطع مسافات واسعة لتضرب سواحل واقعة على بُعد آلاف الكيلومترات، ففي عام 1960، تسبب زلزال بقوة 9.5 درجة في تشيلي بتسونامي مدمر بلغ سواحل اليابان، ولذلك فإن الدول المطلّة على المحيط الهادئ تنسق عمليات الرصد للوقاية من مخاطر هذه الموجات.
أسباب التسونامي
في حين أن غالبية موجات التسونامي تتشكل جراء زلازل، ثمة مسببات أخرى ممكنة منها انهيارات بحرية تسببها أحيانًا زلازل كما حصل في بابوا غينيا الجديدة في 1998 حيث خلف أكثر من ألفَيْ قتيل، وثوران بركان جزيرة كراكاتوا الصغيرة بين جاوا وسومطرة مخلفًا 36.4 ألف قتيل وذلك في أغسطس 1883، وسقوط كويكب في المياه.
وقد تحصل موجات مد صغيرة جراء ظواهر جوية ولا سيما تبدل حراري كبير ما يؤدي إلى منخفضات ناجمة عن رياح عاتية.
أقدم وأخطر موجة تسونامي مسجلة
يعتقد أن أقدم موجة تسونامي مسجلة في التاريخ تعود إلى عام 479 قبل الميلاد، ووقعت في مستعمرة بوتيديا اليونانية، الواقعة في شمال اليونان حاليًا، وقد وثّق المؤرخ اليوناني هيرودوت هذه الحادثة، مشيرًا إلى أن موجة ضخمة أغرقت جيشًا فارسيًا كان يحاصر المدينة، مما أنقذها من الغزو، فيما يشير علماء إلى أن هناك موجات أخرى وقعت قبل الميلاد.
أخطر موجات التسونامي
حتى الآن، كانت أخطر موجة تسونامي في التاريخ الحديث بالمحيط الهندي بتاريخ 26 ديسمبر 2004، عندما ضرب زلزال ضخم بلغت قوته 9.1 درجة قبالة سواحل إندونيسيا، وأدى إلى مقتل أكثر من 230 ألف شخص في 14 دولة في جنوب شرق آسيا بينها إندونيسيا وسريلانكا والهند وتايلاند، حاصدًا 220 ألف قتيل.
وكانت قوة هذا الزلزال في الأصل موازية لحوالَيْ 23 ألف قنبلة ذرية كتلك التي أُلقيت على هيروشيما، وَفْق معهد الجيوفيزياء الأمريكي، وحتى الآن تُعَدّ تلك الموجة هي الأعنف بين موجات تسونامي.
ومن بين موجات التسونامي الشديدة أيضًا، تلك التي وقعت في شهر مارس 2011، عندما ضرب زلزال بقوة 9 درجات اليابان تلاه تسونامي ضخم اجتاح سواحل البلاد الشمالية الشرقية مخلفًا كارثة حصدت 20 ألف قتيل وجريح.
ورغم أن معظم موجات التسونامي تضرب المحيط الهادئ، إلا أن الراصد للظاهرة يرى أنها لا تقتصر عليه، فقد سبق أن طالت المحيط الأطلسي والبحر المتوسط بحسب المؤرخ الروماني أميانوس مارسيلوس الذي شهد تسونامي الإسكندرية في مصر عام 365 م.
هل يمكن الحماية من التسونامي؟
أجمع علماء الجيولوجيا والفلك والطقس على أنه لا يمكن توفير حماية تامة من موجات التسونامي نظرًا لأنها تحدث نتيجة ظواهر طبيعية تكون في معظم الوقت مفاجئة، إلا أنه يمكن تقليل خسائرها عبر مجموعة من التدابير أبرزها التنسيق في عمليات الرصد المبكر بين الدول الساحلية، وخاصة التي تعرضت سابقًا لتلك الموجات المدمرة.
وتعمد تلك الدول إلى اتخاذ تدابير من بينها استخدام أنظمة إنذار صوتي ورسائل نصية لتحذير السكان في المناطق الساحلية وبناء المساكن والمنشآت الحيوية بعيدًا عن الشواطئ، وإنشاء حواجز طبيعية أو صناعية (مثل الجدران البحرية) لتقليل قوة الأمواج، وتحديد مسارات للإخلاء الفوري للسكان.































